مدونه تهتم بك وبكل اهتمامتك

الجمعة، 22 يوليو 2016

بين الفاروق وسيف الله المسلول

 أزمة القائد المعزول بين الفاروق وسيف الله المسلول
كان لذيوع ذكر خالد بن الوليد، سيف الله المسلول، وما اتسم به من عبقرية في التدبير والتخطيط العسكري، والذكاء الحاد في تحقيق التوازن بين غاية السلم وهدف الحرب؛ جدل واسع ولغط كثير أثناء عزله، لم يكن هذا الجدال واللغط لغيره من القادة الذين تم عزلهم، حيث كان من الممكن أن يشكل عزل خالد بن الوليد دافعًا لتأليب العامة، أو أن يقدم خالد بن الوليد على التخطيط لانقلاب عسكري، فلم يكن هذا ولا ذاك، لكن الأمر لا يزال غامضًا، اللهم إلَّا بعض الروايات التي تتحدث عن أن عمر خشي أن يفتن الناس بخالد طالما النصر في ركابه دائمًا، أو أن بن الخطاب أراد أن يفتح المجال لقيادات جديدة عوضًا لخالد، أو أن قسوة خالد كانت وراء عزله أو اختلاف الرؤى والسياسة العامة بين خالد وعمر.
فقد عزل عمر بن الخطاب خالدًا من قيادة الجيش مرتين اثنين، الأولى كانت فور توليه الخلافة بعد وفاة أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، في السنة الثالثة عشرة من الهجرة، ويرجع السبب فيها إلى اختلاف سياسي بين عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد، وأن عمر كان مبيتًا النية على هذا القرار، فعن مالك بن أنس أن عمر لما ولي الخلافة كتب إلى خالد بألَّا يعطي شاة ولا بعيرًا إلَّا بأمره، فكتب إليه خالد يقول: إما أن تدعني ووعملي، وإلَّا فشأنك بعملك، فقال عمر: ما صدقت الله إن كنت قد أشرت على أبي بكر بأمر ولم أنفذه، فعزله ثم كان يدعوه إلى العمل فيأبي، إلَّا أن يخليه يفعل ما يشاء فيأبي عليه.
وكان العزل الثاني في السنة الرابعة عشرة للهجرة، في قنسرين، وكان خالد يعمل تحت قيادة عبيدة بن أبي الجراح، وعلى إثر ما بلغ مسامع عمر بن الخطاب، بأن خالدًا وعياض بن غنم توغلا في بلاد الروم ورجعا بغنائم كثيرة، وقد قصد الأشعث بن قيس الكندي خالدًا لمعروفه، فأجازه خالد بأن منحه عشرة آلاف، كتب عمر إلى عبيدة في أن يحقق مع خالد في مصدر المال الذي أجاز منه الأشعث، وعزله عن الجيش إطلاقًا واستقدمه للمدينة.
وخطب خالد في الناس فقال: إن أمير المؤمنين استعملني على الشام حتى إذا كانت سمنًا وعسلًا عزلني وآثر بها غيري، فقال أحدهم: اصبر أيها الأمير فإنها الفتنة، فقال خالد: أما وعمر حي فلا.
ربما لم يكن الاختلاف الملحوظ في السياسة العامة بين عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد هو الدافع الأساسي وراء عزل سيف الله من قيادة الجيش ليتولى عبيدة بن أبي الجراح، فقد كان قرار العزل أولى قرارات سيدنا عمر، والأمر ليس بالهين العابر، وهو تصرف يحمل في طياته من الغرابة والمفاجأة العديد من التأويلات ويثير الكثير من الأزمات التي كان من شأنها أن تهدد ربوع الدولة الإسلامية كافة، لولا الحكمة والهوادة التي تعامل بها خالد مع الأزمة حتى لا تتحول الأزمة إلى فتنة، فأين قسوة خالد المزعومة، ولمَ لم تثر ثائرته، وقد كان ذلك ممكنًا؟؟ فقائد عظيم مثله هزم المرتدين والفرس والروم وصان جزيرة العرب للإسلام وضم اليها العراق والشام، وبعد تولي أبي بكر الصديق خلافة المسلمين بعد رحيل الرسول صلى الله عليه وسلم- أبقى على قيادة خالد بن الوليد، حين يعزل، ستثار الشكوك والظنون، وتفتح الأبواب على مصراعيها لتأويلات جمة، وتفسيرات عدة، إن لم تكن هناك أسباب قوية وحجج واضحة راسخة لا يماري فيها اثنان ولا يرد فيها رأيان، إلَّا أن السبب الذي ساقه عمر بن الخطاب لم يكن بحجم تلك الخطوة، أو لم يكن كافيًا للإقدام على فعل كهذا، حيث إن عزل قائد لم ينهزم قط، ليس بالهين على دولة مهددة بالحروب والعدوان طوال الوقت، فتخوض حربًا هنا وتواجه غارة هناك، فكل هذا يجب أن يوضع في ميزان القرار وإلَّا لحق بالدولة الخراب والدمار، لكن كانت الأسباب المعلنة أن عمر أراد أن يحافظ على عقيدة التوحيد نقية حتى لا يظن الناس أن النصر في ركاب خالد فيفتنوا به، نعم فذلك أحد الأسباب التي ساقها عمر بن الخطاب في عزله خالد، هل يكون العزل جزاء المنتصر؟!! فخالد لم يهزم قط في أي معركة خاضها، غير أن هذا السبب بالذات اتهام صريح للمسلمين في إيمانهم الشديد وثقتهم الأكيدة في أن النصر من الله لا من عند خالد، وأن خالدًا ما هو إلَّا سبب للنصر.
ومن بين الأقاصيص والأحاجي التي سيقت في هذا الأمر، أن عمر وخالدًا تصارعا وهما غلامان، كان سن عمر وقتها 16 عامًا وخالد 14 عامًا، وغلب خالد عمر وكسر ساقه، وتذكر تلك الحادثة على أن لها أثرًا في قرار عمر حيال خالد، وسواء صدق هذا الزعم أو خفق، فلا يماري اثنان في أن عمر كان يسعى إلى عزل خالد أيام خلافة أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، ولا سيما بعد حادثة قتل مالك بن نويرة وقومه، وأن خالدًا دخل بزوجة مالك بن نويرة في الليلة نفسها التي قتل زوجها، وفحوى القصة أن قوم مالك بن نويرة بعد وفاة الرسول "صلى الله عليه وسلم" امتنعوا عن دفع الزكاة، بعد تولي أبي بكر الصديق، فجاءهم خالد وسألهم عن زكاة الأموال، ومالكم فرقتم بين الصلاة والزكاة، فقال مالك بن نويرة: إن هذا المال كنا ندفعه لصاحبكم في حياته فمات، فما بال أبي بكر؟؟ فقال خالد بن الوليد في غضب: أهو صاحبنا وليس بصاحبكم. فأمر ضرار بن الأزور بضرب عنقه. وقد قيل أن مالك بن نويرة قد اتبع سجاح التي ادعت النبوة، ووردت بعض الروايات التي تفيد بأن قتلهم نجم عن سوء التفسير واختلاف اللهجات، حيث كلمهم خالد وزجرهم على هذا الأمر، وأسر منهم من أسر، وكانت ليلة باردة، فقال لأصحابه: أدفئوا أسراكم. وأدفئوا في لغة ثقيف تعنى اقتلوا، فظنوا أن خالدًا إنما يقصد قتل الأسرى، وعن أن خالدًا دخل بزوجة مالك بن نويرة في الليلة نفسها، فإنها كانت من السبايا، وقد قتل خالد منهم من قتل، ولخالد بن الوليد قول موجز قد يقدم إضافة في تفسير هذه الحادثة، حيث يقول: "لأن أصبح العدو في ليلة شاتية، أحب إليَّ من أن تهدي إليَّ فيه عروس أو أبشر بولد".



0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

مساحه إعلانيه

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

 
جميع الحقوق محفوظة © الشاتو-ElShato تصميم Templateism