مدونه تهتم بك وبكل اهتمامتك

الثلاثاء، 2 أغسطس 2016

العقاد

بقلم/ أحمد عبد العال رشيدي 

يصعب الفصلُ بين مجالي الأدب والفلسفة، لا سيما عند أديب كـ"العقاد" يتخذ أدبَهُ وسيلةً لغايةٍ فلسفية بحتة، فليس بين ظواهر فكره وبواطنه حد فاصل، فقد صدرت عن العقاد آراء تميزت بالبداءة، التي هي مستودع التصورات والأخيلة، ولا سلطان عليها من البحث أو الرواية المسبقة، وكانت هي نفسها التي تجلي لك أعمقَ أعماقِهِ، من حيث الزكانةِ والمثالبِ.

 ولا يمكن تجاهل البُعد الفلسفي في إسهامات العقاد ومؤلفاته، فقد كتب عشرات الكتب ومئات المقالات، التي تتصل من حيث الموضوع والمنهج بالفكر الفلسفي بصورة مباشرة وغير مباشرة، وتتصل من قريب ومن بعيد بالجوانب الفلسفية بصورتيها العامةِ والخاصةِ، فلم يكن فيها ممن يطوفون حول هوامش الأمور، أو يحومون كالهاموش حول النار وهالاتها دون الخوض في لواعجها..

  تحدث العقاد عن قضية الجمال والحقيقة من منظور الفن، بأن الدنيا جمال، نصله من طريق الضرورة، والدنيا روح نلمسه بيد من المادة، فالروح هو الحقيقة، والمادة وسيلة الإحساس به، ورأي العقاد في قضية "الجمال" أن الحقيقة الفنية أسبق من الحقيقة الفلسفية، وأنها الأساس في فهم ظواهر الكون، وهو منهج يتفق وطبيعة العقاد الشاعر الذي يقول:

 الشعرُ من نفسِ الرحمنِ مقتبسُ ... والشاعرُ الفذُّ بين الناسِ رحمنُ

لأنه يحس الكون بالوعي والشعور قبل أن يدركَهُ بالحواس، ليؤكد أن الفنان رسول من رسل الوعي الإنساني، ورائد من رواد القيم الروحية، وأكثرهم استجابة لنداء الحرية، واحتكاكًا بالجهد الخلَّاق الذى يكمن وراء الحياة، وهذا الجهد من "الله" إن لم يكن هو "الله" ذاته.

هكذا كان مبحث الجمال في الصدارة من هذه الآراء، وهو الرأي الذي ربط فيه بين الجمال والحرية، فذهب إلى أن الجمال هو الحرية وأن الشيء جميل بمقدار ما هو حر.

يتفق فيلسوفُنَا مع كثير من الفلاسفة الغربيين في توجيه الاستاطيقا "علم الجمال" إلى دراسته من حيث التذوق، سواء كان الجميل من صنع الطبيعة أو من إبداع الفنان.

 لكن إذا كان فيلسوف مثل سانتيانا يقف عند جعل الإحساس بالجمال شرط اللذة الجمالية أو الرضا الاستاطيقي، وناقد مثل "رتشاردز" يذهب في كتاب "أسس علم الجمال" إلى أن الجمال عبارة عن تجربة شعورية يمر بها المشاهد أو المستمع أو القارئ، فإن العقاد ـ فيلسوفَ العقل والحرية ـ يعلو على التفسيرين "الحسي، والسيكولوجي"، ويتخذ من "التمييز" شرطًا لقياس اللذة الجمالية. 

فالتمييز فعل من العقلِ والإدراك، وليس من انفعالات الإحساس والوجدان، وعلى ذلك فهو أكثر تعبيرًا عن الحرية، حيث يقول العقاد: "ثم ينبغي أن نفرق أبعد التفريق بين تمييز الجمال والتعلق بالشيء الجميل، فإن التعلّق من الهوى وهو من ضروب الضرورة القاهرة، أما التمييز فهو أبعد ما يكون عن عسف الضرورة وجبروتها.

 فلا حرية إذن للإنسان أرقى من حرية التمييز بين محاسن الأشياء، ولا حرية لأمة ليس لها نصيب من الفن الجميل.

وللعقاد رؤية أخرى مغايرة للنظريتين اللتين تحددان دور الفن في الحياة "الفن للفن" وهي الأكثر شيوعًا، وتمثلت واضحة في أعمال "أوسكار وايلد"، و"الفن للحياة" وتمثلت في أعمال "مكسيم جوركي"، وموقف العقاد من كلتيهما أن الفن لموضوعه، وهو تجلية الخيال والشعور على نحو فيه خلق وإبداع وتقرير للذاتِ، قائلًا: "إننا نرتقي في تقديرِ الفنِ كلما ارتقينا في تقدير الحسن والبداهة، وفي العلم بوظيفة الخيال، فليس الفنّ مقيّدًا بالحسِّ ولا بالمدركات الحسية، وليس الخيال خداعًا منعزلًا عن حقائق الأشياء، بل هو وظيفة مبدعة تنفذ من أسرار الخلق إلى الصميم".

وهو رأي يتفق مع نظريته الاستاطيقية من ناحية أخرى مع فيلسوف الجمال "كولنجوود" بأنه لابد من التفريق بين نوعين من الفن: الفن الذي يقوم على الخيال، والذي يقوم على الوهم والخداع. "فالفن الخادع هو الذي يرضي شهوةَ من الشهواتِ يفقدها الإنسان في عالم الحسِّ فيستحضرها على نفسه في عالم الأحلام، أما الخيال فإنه يقوم بوظيفته كما تقوم الحواس بوظيفتها دون أن يقصد إلى الخداع، ودون أن يعمد إلى إرضاء الشهوات، وإن جاء منه عفوًا ما يخدع الحس أو ما يرضي الشهوة، ويمتاز فن الخيال بأنه لا يتوخى التسلية ولا إثارة الإحساس، بل يعمد إلى الأشياء التي يحسها الناس إحساسًا مبهمًا أو مضطربًا فيجلوها لهم، ويرفعها أمامهم من قرارتها الغامضة إلى وضح الوعي والتصور المبين".

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

مساحه إعلانيه

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

 
جميع الحقوق محفوظة © الشاتو-ElShato تصميم Templateism